كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



روي أن رجلًا قال: «يا رسول الله أفي الجنة خيل فإني أحب الخيل فقال: إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسًا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت، فقال أعرابي: يا رسول الله أفي الجنة إبل فإني أحب الإبل فقال: يا أعرابي إن أدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك» وقرأ نافع وابن عامر وحفص بهاء بعد الياء بإثبات العائد على الموصول كقوله تعالى: {الذي يتخبطه الشيطان من المس} والباقون بغيرها بعد الياء كقوله تعالى: {أهذا الذي بعث الله رسولًا} وهذه القراءة مشبهة بقوله تعالى: {وما عملته أيديهم} وهذه الهاء في هذه السورة رسمت في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها، وقد وقع لأبي عبد الله الفاسي شارح القصيدة وهم فسبق قلمه فكتب الهاء منه محذوفة في مصاحف المدينة والشام مثبوتة في غيرها فعكس.
ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالدوام قال تعالى عائدًا إلى الخطاب لأنه أشرف وأكد {وأنتم فيها خالدون} لبقائها وبقاء كل ما فيها فلا كلفة عليهم أصلًا من خوف من زوال ولا خوف من فوات. ثم أشار إلى فخامتها بأداة البعد فقال تعالى: {وتلك الجنة} أي: العالية المقام {التي أورثتموها} شبه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل، وقرأ أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي بإدغام الثاء المثلثة في المثناة وأظهرها الباقون {بما} أي: بسبب ما {كنتم تعملون} أي: مواظبين على ذلك لا تفترون لأن العمل كان لهم كالجبلة التي جبلوا عليها فالمنة لربهم في الحقيقة بما زكى لهم أنفسهم.
ولما ذكر سبحانه الطعام والشراب ذكر الفاكهة فقال: {لكم فيها فاكهة} أي: ما يؤكل تفكهًا وإن كان لحمًا وخبزًا {كثيرة} ودل على الكثرة وعلى دوام النعمة بقصد التفكه لكل شيء فيها بقوله تعالى: {منها} أي: لا من غيرها مما يلحظ فيه القوت {تأكلون} فلا تنفد أبدًا ولا تتأثر بأكل الآكلين لأنها على صفة الماء النابع لا يؤخذ منها شيء إلا خلف مكانه مثله في الحال، ورد في الحديث: «أنه لا ينزع رجل ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها».
تنبيه:
لما بعث الله تعالى نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام إلى العرب وكانت في ضيق شديد بسبب المأكول والمشروب والفاكهة ذكر الله تعالى هذه المعاني مرة بعد أخرى تكميلًا لرغباتهم وتقوية لدواعيهم ومِنْ في قوله تعالى: {منها تأكلون} تبعيضية أو ابتدائية وقدم الجار لأجل الفاصلة.
ولما ذكر سبحانه الوعد أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن فقال تعالى: {إن المجرمين} أي: الراسخين في قطع ما أمر الله به أن يوصل {في عذاب جهنم} أي: النار التي من شأنها إلقاء داخلها بالتجهم والكراهة والعبوسة كما كان يعمل عند قطعه لأولياء الله تعالى: {خالدون} لأن اجتراءهم كان طبعًا لهم لا ينفكون عنه أصلًا ما بقوا.
{لا يفتر عنهم} أي: لا يقصد إضعافه بنوع من الضعف فنفي التفتر نفي للفتور من غير عكس، قال البيضاوي: وهو من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلًا والتركيب للضعف {وهم فيه} أي: العذاب {مبلسون} أي: ساكتون سكوت يأس من النجاة والفرج، وعن الضحاك: يجعل المجرم في تابوت من نار ثم يقفل عليه فيبقى خالدًا لا يرى ولا يرى.
{وما ظلمناهم} نوعًا من الظلم {ولكن كانوا} جبلة وطبعًا وعملًا وصنعًا {هم الظالمين} لأنهم بارزوا المنعم عليهم بالعظائم ونووا أنهم لا ينفكون عن ذلك ما بقوا والأعمال بالنيات.
ولما كان مفهوم الإبلاس السكوت بين تعالى أنهم ليسوا ساكتين دائمًا بقوله تعالى: {ونادوا} ثم بين أن المنادي خازن النار بقوله تعالى مؤكدًا البعد بأداته {يا مالك ليقض علينا} أي: سل سؤالًا حتمًا أن يقضي القضاء الذي لا قضاء مثله وهو الموت على كل واحد منا وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا: {ربك} أي: المحسن إليك فلم يروا للَّه تعالى عليهم إحسانًا وهم في تلك الحالة ولا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلًا، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحدًا منهم فوق استحقاقه، ولذلك جعل النار دركات كما جعل الجنة درجات فأجاب مالك عليه السلام بأن {قال} مؤكدًا قطعًا لأطماعهم لأن كلامهم هذا هو بحيث يفهم الرجاء وإعلامًا بأن رحمة الله التي موضع الرجاء خاصة بغيرهم {إنّكم ماكثون} أي: دائمًا أبدًا لا خلاص لكم بموت ولا غيره وليس في القرآن متى أجابهم هل أجابهم في الحال أو بعد مدة لكن.
روى ابن عباس: أن أهل النار يدعون مالكًا خازن النار يقولون: ليقض علينا ربك أي: ليمتنا ربك فنستريح، فيجيبهم مالك بعد ألف سنة إنكم ماكثون أي: مقيمون في العذاب. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: يجيبهم بعد أربعين، وعن غيره مائة سنة واختلفوا في أن قولهم: {يا مالك ليقض علينا ربك} على أي وجه طلبوه فقال بعضهم: على التمني وقال آخرون: على وجه الاستغاثة وإلا فهم عالمون بأنه لا خلاص لهم من ذلك العذاب. ثم إنه تعالى ذكر ما هو كالعلة لذلك الجواب بقوله تعالى: {لقد جئناكم} أي: في هذه السورة خصوصًا وفي جميع القرآن عمومًا {بالحق} على لسان الرسل وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال عند الجيم، والباقون بالإدغام {ولكن أكثركم للحق كارهون} لما فيه من المنع من الشهوات فلذلك أنتم تقولون إنه ليس بحق لأجل كراهتكم فقط لا لأجل أن في حقيّته نوعًا من الخفاء، فإن قيل: كيف قال: ونادوا يا مالك بعد أن وصفهم بالإبلاس؟
أجيب: بأنها أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتًا لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتًا لشدة ما بهم، روى أنه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون: ادعوا مالكًا فيدعون {يا مالك ليقض علينا ربك}.
ولما ذكر تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفساد باطنهم في الدنيا فقال تعالى: {أم أبرموا} أي: أحكم كفار مكة {أمرًا} أي: في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رد أمرنا ومعاداة أوليائنا مع علمهم بأنا مطلعون عليهم {فإنا مبرمون} أي: محكمون أمرًا في مجازاتهم أي: مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى: {أم يريدون كيدًا فالذين كفروا هم المكيدون} (الطور:) قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم المكر في دار الندوة.
تنبيه:
أم منقطعة والإبرام: الإتقان وأصله في الفتل يقال أبرم الحبل، أي: أتقن فتله وهو الفتل الثاني والأول يقال له سحيل قال زهير:
لعمري لنعم السيدان وجدتما ** على كل حال من سحيل ومبرم

{أم يحسبون أنا} أي: على ما لنا من العظمة المقتضية لجميع صفات الكمال {لا نسمع سرهم} أي: كلامهم الخفي ولو كان في الضمائر فيما يغضبنا، والسر ما حدث به الشخص نفسه أو غيره في مكان خال.
ولما كان ربما وقع في الأوهام أن المراد بالسمع إنما هو العلم لأن السر ما يخفى وهو يعلم ما في الضمائر وهي مما يعلم حقق أن المراد به حقيقته بقوله تعالى: {ونجواهم} أي: تناجيهم في كلامهم المرتفع فيما بينهم حتى كأنه على نجوة أي: مكان عال، فعلم أن المراد حقيقة السمع وأنه تعالى يسمع كل ما يمكن أن يسمع {بلى} نسمع الصنفين كليهما على حد سواء {ورسلنا} وهم الحفظة من الملائكة على الجميع السلام على ما لهم من العظمة بنسبتهم إلينا {لديهم} أي: عندهم، وقرأ حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها {يكتبون} أي: يجددون الكتابة كل ما تجدد ما يقتضيها لأن الكتابة أوقع في التهديد لأن من علم أن أعماله محصاة مكتوبة يجتنب ما يخاف عاقبته، وعن يحيى بن معاذ الرازي: من ستر عن الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق.
ولما تقدم أول السورة تبكيتهم والتعجيب منهم في ادعائهم لله ولدًا من الملائكة وهددهم بقوله تعالى: {ستكتب شهادتهم ويسألون} أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم:
{قل} أي: لهؤلاء البعداء البغضاء {إن كان للرحمن} أي: العام الرحمة {ولد} أي: على زعمكم والمراد به الجنس لادعائهم في الملائكة وغيرهم {فأنا} أي: في الرتبة، وقرأ نافع بمد الألف بعد النون والباقون بغير مد {أول العابدين} للرحمن العبادة التي هي العبادة ولا يستحق غيرها أن يسمى عبادة وهي الخالصة أي: فأنا لا أعبد غيره لا ولدًا ولا غيره، ولم يشأ لي الرحمن أن أعبد الولد ولا غيره، أو يكون المعنى: أنا أول العابدين للرحمن على وجه الإخلاص لم أشرك به شيئًا أصلًا في وقت من الأوقات بما سميتموه ولدًا أو شريكًا أو غيرهما، ولو شاء ما عبدته على وجه الإخلاص ولا شك عندكم وعند غيركم أن من أخلص لأحد كان أولى من غيره برحمته فلو أن الإخلاص له ممنوع ما شاءه لي ولولا أن عبادة غيره ممنوعة لشاءها لي ولو أن له ولدًا لشاء لي عبادته، فإن عموم رحمته لكافة خلقه لكونهم خلقه وخصوصها بي لكوني عبده خالصًا يمنع على زعمكم من أن يشقيني وأنا أخلص له فبطلت شبهتكم بمثلها بل بأقوى منها، وهذا مما علق بشيء هو بنقيضه أولى.
وقال الزمخشري: إن كان للرحمن ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها محالًا مثلها فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها، ثم قال: وقد تمحل الناس بما أخرجوه من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه فقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه، وقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد.
وقال ابن عباس: إن أن نافية أي: ما كان له ولد فإني أول من عبده رتبة وما علمت له ولدًا ولو كان له ولد إله لعبدته تقربًا إليه بعبادة ولده، وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال: إن الملائكة بنات الله تعالى فنزلت فقال النضر: ألا ترون أنه قد صدقني فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له ثم إنه تعالى نزه نفسه فقال: {سبحان رب} أي: مبدع ومالك {السموات والأرض} أي: اللتين كل ما فيهما ومن فيهما مقهور مربوب محتاج لا يصح أن يكون له منه سبحانه نسبة بغير العبودية بالإيجاد والتربية.
ولما كانت خاصة الملك أن يكون له ما لا يصل إليه غيره بوجه أصلًا قال محققًا لملكه لجميع ما سواه ومن سواه وملكه له، ولم يعد العطف لأن العرش من السموات {رب العرش} أي: المختص به لكونه خاصة الملك الذي وسع كرسيه السموات والأرض {عما يصفون} أي: يقولون من الكذب من أن له ولدًا أو شريكًا وذلك أن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته، وكل ما كان كذلك فهو لا يقبل التجزي بوجه من الوجوه، والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشيء جزء فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله وهذا إنما يعقل فيمن تكون ذاته قابلة للتجزي والتبعيض، وإذا كان ذلك محالًا في حق إله العالم امتنع إثبات الولد.
ولما ذكر تعالى هذا البرهان القاطع قال تعالى مسببًا عن ذلك:
{فذرهم} أي: اتركهم على أسوأ أحوالهم {يخوضوا} أي: يفعلوا في باطلهم فعل الخائض في الماء {ويلعبوا} أي: يفعلوا فعل اللاعب في دنياهم {حتى يلاقوا} أي: يفعلوا بتصرم أعمارهم في فعل ما لا ينفعهم فعل المجتهدين في أن يلقوا {يومهم الذي يوعدون} أي: بوعد لا خلف فيه وهو يوم القيامة فيظهر فيه وعيدهم والمقصود منه التهديد لأنه تعالى ذكر الحجة القاطعة على فساد ما ذكروا فلم يلتفتوا إليها لأجل استغراقهم في طلب المال والجاه والرياسة، فاتركهم في ذلك الباطل واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود به ثم زاد في التنزيه فقال تعالى: {وهو الذي في السماء إله} أي: معبود لا شريك له {وفي الأرض إله} تتوجه الرغبات إليه في جميع الأحوال وتخلص إليه في جميع أوقات الاضطرار، فقد وقع الإجماع من جميع من في السماء والأرض على إلهيته فثبت استحقاقه لهذه الرتبة وثبت اختصاصه باستحقاقها في الشدائد فباقي الأوقات كذلك من غير فرق لأنه لا مشارك له في هذا الاستحقاق فعبادة غيره باطلة، وقرأ قالون والبزي بتسهيلها مع المد والقصر، وقرأ أبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر، وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية وإبدالها أيضًا ألفًا وقرأ الباقون بتحقيقهما.
تنبيه:
كل من الظرفين متعلق بما بعده لأن إله بمعنى معبود أي: معبود في السماء ومعبود في الأرض وحينئذ يقال: الصلة لا تكون إلا جملة أو ما في تقديرها وهو الظرف وعديله ولا شيء منهما هنا؟
أجيب: بأن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه وذلك المحذوف هو العائد تقديره وهو الذي هو في السماء إله وهو في الأرض إله، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول فإن الجار متعلق بإله ومثله ما أنا بالذي قائل لك سوأ {وهو الحكيم} أي: البليغ الحكمة في تدبير خلقه {العليم} أي: البالغ في علمه بمصالحهم.
{وتبارك} أي: وثبت ثباتًا لا يشبهه ثبات لأنه لا زوال له مع اليمن والبركة وكل كمال فلا شبيه له حتى يدعى أنه ولد له أو شريك. ثم وصفه تعالى بما يبين تباركيته واختصاصه بالألوهية فقال عز من قائل: {الذي له ملك السموات} أي: كلها {والأرض} كذلك {وما بينهما} أي: وما بين كل اثنين منهما، والدليل على هذا الإجماع القائم على توحيده عند الاضطرار {وعنده} أي: وحده {علم الساعة} أي: العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها {وإليه} أي: وحده لا إلى غيره {ترجعون} بأيسر أمر تحقيقًا لملكه وقطعًا للنزاع في وحدانيته، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة، والباقون بالفوقية على الالتفات للتهديد.
{ولا يملك} أي: بوجه من الوجوه في وقت ما {الذين يدعون} أي: يعبدون أي: الكفار {من دونه} أي: الله تعالى: {الشفاعة} كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وقوله تعالى: {إلا من شهد بالحق} أي: قال: لا إله إلا الله، فيه قولان؛ أحدهما: أنه متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله والمعنى: لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد إلا من شهد بالحق {وهم يعلمون} أي: بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وهم عيسى ومريم وعزير والملائكة فإنهم يملكون أن يشفعوا للمؤمنين بتمليك الله تعالى إياهم لها، والثاني: هو منقطع إن خص بالأصنام.
{ولئن سألتهم} أي: الكفار مع ادعائهم الشريك {من خلقهم} أي: العابدين والمعبودين معًا {ليقولون الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال لتعذر المكابرة من فرط ظهوره {فأنى} أي: فكيف وأي جهة بعد أن أثبتوا له الخلق والأمر {يؤفكون} أي: يصرفون عن اتباع رسولنا الآمر لهم بتوحيدنا في العبادة كما أنا توحدنا في الخلق. وقرأ:
{وقيله} أي: قول محمد صلى الله عليه وسلم عاصم وحمزة بخفض اللام والهاء على معنى وعنده علم الساعة وعلم قبله، والباقون بنصب اللام ورفع الهاء على المصدر بفعله المقدر أي: وقال: {يا رب إن هؤلاء قوم} أي: أقوياء على الباطل ولم يضفهم إلى نفسه بأن يقول قومي ونحو ذلك من العبارات ولا سماهم باسم قبيلتهم لما شأنه من حالهم {لا يؤمنون} أي: لا يتجدد منهم هذا الفعل أصلًا.